والتمر في ذلك الوقت على الأعذاق غير متماسك ، فلولا لطف الله تعالى لتساقطب كلّها بنقر الغربان ثمّ تنتظر صرامها ، فإذا تمّ الصرام رأيتها تخلّلت أصول الكرب فلا تدع حشفة إلّا استخرجتها. فسبحان من قدر ذلك لطفا بعباده!
قال الجاحظ : من عيوب البصرة اختلاف هوائها في يوم واحد ، فإنّهم يلبسون القمص مرّة والمبطنات مرّة لاختلاف جواهر الساعات. ومن ظريف ما قيل في اختلاف هواء البصرة قول ابن لنكك :
نحن بالبصرة في لو |
|
ن من العيش ظريف |
نحن ما هبّت شمال |
|
بين جنّات وريف |
فإذا هبّت جنوب |
|
فكأنّا في كنيف |
ومن متنزّهاتها وادي القصر ؛ ذكر الخليل أن أباه مرّ بوادي القصر فرأى أرضا كالكافور وضبّا محترشا وغزالا وسمكا ، وصيادة وغناء ملّاح على سكانه وحداء جمّال خلف بعيره فقال :
يا وادي القصر نعم القصر والوادي |
|
في منزل حاضر إن شئت أو بادي |
ترفا به السّفن والظلمان حاضرة |
|
والضّبّ والنّون والملّاح والحادي |
حكي أن عبيد الله بن زياد ابن أبيه بنى بالبصرة دارا عجيبة سمّاها البيضاء ، والناس يدخلونها ويتفرّجون عليها ، فدخلها اعرابيّ قال : لا ينتفع بها صاحبها! ودخلها آخر وقال : أتبنون بكلّ ريع آية تعبثون؟ فقيل ذلك لعبيد الله ، قال لهما : لأيّ شيء قلتم ما قلتم؟ قال الأعرابي : لأني رأيت فيها أسدا كالحا وكلبا نابحا وكبشا ناطحا! وكان كما قال ما انتفع بها عبيد الله أخرجه أهل البصرة منها.
وقال الآخر : آية من كتاب الله عرضت لي قرأتها ، فقال : والله لأفعلنّ بك ما في الآية الأخرى : وإذا بطشتم بطشتم جبّارين. فأمر أن يبنى عليه ركن من أركان قصره.