الخليفة : أصلح الله القاضي! كم يكون سنّ عمره؟ فعلم يحيى انّه قصد بذلك استحقاره لقلّة سنه ، فقال : سنّ عمري مثل سنّ عمر بن عتّاب بن أسيد حين ولّاه رسول الله ، عليه السلام ، قضاء مكّة! فتعجّب الحاضرون من جوابه.
وحكي انّه كان ناظر الوقوف ببغداد فوقف العميان له وقالوا : يا أبا سعيد اعطنا حقّنا! فأمر بحبسهم ، فقيل له : لم حبست العميان وقد طلبوا حقّهم؟ فقال : هؤلاء يستحقّون ابلغ من ذلك ، إنّهم شبّهوني بأبي سعيد اللوطي من مدينة كذا! وكان هذا قصدهم فما فات القاضي ذلك.
وحكي انّه اجتاز بجمع من مماليك الخليفة صبيانا حسانا فقال لهم : لولا أنتم لكنّا مؤمنين. فعرف المأمون ذلك فأمر أن يذهب كلّ يوم إلى باب داره أربعمائة مملوك حسن الصورة ، حتى إذا ركب يمشون في خدمته إلى دار الخلافة ركابا.
وينسب إليها أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل. كان أصله من مرو وجيء به حملا إلى بغداد فنشأ بها. فلمّا كان أيّام المعتصم وقع في محنة المعتزلة ، جمع المعتصم بينه وبين المعتزلة وكبيرهم القاضي أبو داود. قالوا : ان القرآن مخلوق! قال لهم أحمد : ما الدليل على ذلك؟ قالوا : قوله تعالى : وما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث. فقال لهم أحمد : المراد من الذكر ههنا الذكر عند قوله تعالى : ص والقرآن ذي الذكر. فالذكر مضاف إلى القرآن فيكون غير القرآن ، وههنا مطلق وفي ص مقيّد ، فيجب حمل المطلّق على المقيّد. فانقطعت حجّتهم ، فقال المعتصم لأبي داود : ما تقول في هذا؟ فقال القاضي : هذا ضالّ مضلّ يجب تأديبه!
وعن ميمون بن الإصبع قال : كنت حاضرا عند محنة أحمد ، فلمّا ضرب سوطا قال : بسم الله ، فلمّا ضرب الثاني قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ؛ فلمّا ضرب الثالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلمّا ضرب الرابع قال :