وحكي أن جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء ، وكيفيّة جموده أنّه إذا اشتدّ البرد وقوي كلبه جمد أوّلا قطعا ، ثمّ تسري تلك القطع على وجه الماء ، وكلّما ماسّت قطعة من تلك القطاع أخرى التصقت بها ، ولا تزال تنضمّ حتى صار جيحون كلّه سطحا واحدا ، ثمّ يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار ؛ قال ابن فضلان في رسالته : رأيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبرا. والله أعلم بصحّته. ثمّ يبقى باقي الماء تحته جاريا فيحفر أهل خوارزم فيه آبارا بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء ، ثمّ يسقون منها كما يسقى من البئر لشربهم ، ويحملونه في الجرار. وإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل الموقرة بالبقر ، ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ، ويتظاهر عليه الغبار كما يكون في البوادي ، ويبقى على ذلك نحو شهرين. فإذا انكسرت سورة البرد عاد ينقطع قطعا كما بدا في أوّل أمره إلى أن يعود إلى حاله الأولى. وهو نهر قتّال قلّما ينجو غريقه.
وبها جبل على ثمانية فراسخ من المدينة ؛ قال أبو حامد الأندلسي : هذا الجبل فيه شعب كبير ، وفي الشعب تلّ عال ، وعلى التلّ شبه مسجد عليه قبّة له أربعة أبواب آزاج كبار ، ويتراءى للناظر كأن بنيان ذلك المسجد من الذهب ظاهره وباطنه ، وحوله ماء محيط بالتلّ راكد لا مادّة له إلّا من ماء المطر والثلج زمان الشتاء. وإن ذلك الماء ينقص ويزيد ذراعا في الصيف والشتاء في رؤية العين.
والماء ماء عفن نتن عليه طحلب لا يستطيع أحد أن يخوضه ، ومن دخل في ذلك استلبه الماء ولا يظهر أثره البتّة ، ولا يدرى أين ذهب. وعرض الماء مقدار مائة ذراع.
وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين وصل إلى هذا الموضع وأقام به زمانا وألقى فيه الزوارق فغاصت فيه ، فأمر السلطان جميع عساكره بحمل التراب والخشب ونفضها في ذلك الماء ، فكلّ شيء ألقي فيه غاص ولم يظهر له أثر.
وقالوا : إن ذلك الماء إذا وقع فيه حيوان لم يقدر أحد على إخراجه البتّة ، وان