فكان مقدار الواحد منهم في رأي العين شبرا ونصفا. فهممنا بالانصراف فأخذنا الادلّاء نحو جهة خراسان ، فسرنا حتى خرجنا خلف سمرقند بسبعة فراسخ ، وأخذنا طريق العراق حتى وصلنا. وكان من خروجنا من سرّ من رأى إلى رجوعنا إليها ثمانية عشر شهرا.
سقسين
بلدة من بلاد الخزر عظيمة آهلة ، ذات أنهار وأشجار وخيرات كثيرة.
ذكروا أن أهلها أربعون قبيلة من الغزّ. وفي المدينة من الغرباء والتجار ما لا يحصى عددهم ، والبرد عندهم شديد جدّا ، ولكلّ واحد دار فيحاء كبيرة ، وفي الدار خرقاه مغطاة باللبود من البرد. وأهلها مسلمون أكثرهم على مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومنهم من هو على مذهب الإمام الشافعي. وفيها جوامع لكلّ قوم جامع يصلّون فيه ، ويوم العيد تخرج منابر لكلّ قوم منبر يخطبون عليه ويصلّون مع إمامهم. والشتاء عندهم شديد جدّا. وسقوف أبنيتهم كلّها من خشب الصنوبر.
بها نهر عظيم أكبر من دجلة ، وفيه من أنواع السمك ما لم يشاهده أحد في غيره ، يكون السمك حمل جمل ، وفيها صغار لا شوك فيها كأنّها الية الحمل محشوة بلحم الدجاج ، بل أطيب ، ويشترى من هذا السمك مائة منّ بنصف دانق ، يخرج من بطنها دهن يكفي للسراج شهرا ، ويحصل منها الغراء نصف منّ وأكثر. وإن قدّد يكون من أحسن قديد.
ومعاملات أهل سقسين على الرصاص كلّ ثلاثة أمنان بالبغدادي بدينار ، ويشترون بها ما شاؤوا كالفضّة في بلادنا. والخبز واللحم عندهم رخيص ، تباع الشاة بنصف دانق ، والحمل بطسوج ، والفواكه عندهم كثيرة جدّا.
حكى الغرناطي أن نهرهم قد جمد عند الشتاء ، وأنا مشيت عليه فكان عرضه ألف خطوة وثمانمائة ونيفا وأربعين.