كلّ سنة ، فاجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم وما كان لهم من الأيّام ، ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا.
وكانت العرب إذا أرادت الحجّ أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ، ثمّ تنتقل إلى سوق مجنّة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة ، ثمّ تنتقل إلى سوق ذي المجار فتقيم فيه إلى الحجّ ، والعرب اجتمعوا في هذه المواسم ، فإذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا.
عن ابن عبّاس ، رضي الله عنه ، ان وفد اياد قدموا على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فقال لهم : أيّكم يعرف قسّ بن ساعدة؟ قالوا : كلّنا نعرفه. قال : ما فعل؟ قالوا : هلك! فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : ما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام على حمل أورق وهو يخطب الناس ويقول : أيّها الناس اسمعوا وعوا ، من عاش مات ومن مات فات ، وكلّ ما هو آت آت ، إن في السماء لخبرا : سحائب تمور ونجوم تغور في فلك يدور. ويقسم قسّ قسما ان الله دينا هو أرضى من دينكم هذا! ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟
ارضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا؟ ثمّ قال : أيّكم يروي شعره؟ فقال أبو بكر : أنا أحفظه يا رسول الله ؛ فقال : هات ، فأنشد :
في الذّاهبين الأوّلين من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر
لا يرجع الماضي ولا يبقى من الباقين غابر
قال ابن عبّاس ، رضي الله عنه : ذكر قسّ بين يدي النبيّ ، صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : رحم الله قسّا ، إني لأرجو أن يأتي أمّة واحدة.