حكى رجل من ثقيف انّه رأى بسوق عكاظ رجلا قصير القامة ، على بعير في حجم شاة ، وهو يقول : أيّها الناس هل فيكم من يسوق لنا تسعا وتسعين ناقة ، ينطلق بها إلى أرض وبار فيؤدّيها إلى حماله صبار؟ قال : فاجتمع الناس عليه يتعجبون منه ومن كلامه وبعيره. فلمّا رأى ذلك عمد إلى بعيره وارتفع في الهواء ، ونحن ننظر إليه إلى أن غاب عن أعيننا.
ويكثر لأهل الحجاز الجذام لفرط الحرارة ، يحرق أخلاطهم فيغلب على مزاجهم السوداء ، سوى أهل مكّة فإن الله كفاهم ذلك.
وبها أشجار عجيبة كالدوم ، وهو شجر المقل ، قيل : إنّها شجر النارجيل في غير الحجاز والعنم ، ولها ثمرة طويلة حمراء تشبه أصابع العذارى ، والاسحل شجر المساويك والكنهبل والبشام ؛ قالوا : هو شجر البلسان بمصر والرتم والضال والسمر والسلع.
وبها جبل الحديد وهو في ديار بجيلة ، ويسمّى جبل الحديد إمّا لصلابة حجره أو لأنّه معدن الحديد.
أسرت بجيلة تأبّط شرّا فاحتال عليهم حيلة عجيبة ، وذاك أن تأبّط شرّا وعمرو بن برّاق والشّنفرى خرجوا يرون بجيلة ، فبدرت بهم بجيلة فابتدر ستّة عشر غلاما من سرعانهم وقعدوا على ماء لهم ، وأنذر تأبّط شرّا بخروج القوم لطلبة ، فشاور صاحبيه فرجعوا إلى قلّة هذا الجبل ، وإنّه شاهق مشمخّر ، وأقاموا حتى يضجر القوم وينصرفوا ، فلمّا كان اليوم الثالث قالا لتأبّط شرّا :رد بنا وإلّا هلكنا عطشا! فقال لهما : البثا هذا اليوم فما للقوم بعد اليوم مقام.
فأبيا وقالا له : هلكنا فرد بنا وفينا بقيّة. قال : اهبطا. فلمّا قربوا من الماء أصغى تأبّط شرّا وقال لصاحبيه : إني لأونس وحبيب قلوب الرصد على الماء! قالا : وجيب قلبك يا تأبّط! قال : كلّا ما وجب وما كان وجّابا ، ولكن رد يا عمرو واستنقض الموضع وعد إلينا. فورد وصدر ولم ير أحدا ، فقال :ما على الماء أحد. فقال تأبّط شرّا : بلى ولكنّك غير مطلوب. ثمّ قال : رد