٣ ـ أصحاب التناسخ
وقد ذكرنا مذاهب التناسخية. وما من ملة من الملل إلا وللتناسخ فيها قدم راسخ ، وإنما تختلف طرقهم في تقرير ذلك. فأما تناسخية الهند فأشد اعتقادا لذلك ؛ لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم ، فيقع على شجرة معلومة فيبيض ويفرخ. ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه ، فتبرق منه نار تلتهب فيحترق الطير ، ويسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة. ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير ويقع على الشجرة وهو أبدا كذلك. قالوا : فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلا كذلك.
قالوا : وإذا كانت حركات الأفلاك دورية فلا محالة يصل رأس الفرجار (١) إلى ما بدأ ودار دورة ثانية على الخط الأول ، أفاد لا محالة ما أفاد الدور الأول ، إذ لا اختلاف بين الدورين حتى يتصور اختلاف بين الأثرين ، فإن المؤثرات عادت كما بدأت ، والنجوم والأفلاك دارت على المركز الأول وما اختلفت أبعادها واتصالاتها ومناظراتها ومناسباتها بوجه ، فيجب أن لا تختلف المتأثرات الباديات منها بوجه ، وهذا هو تناسخ الأدوار والأكوار ، ولهم اختلافات في الدورة الكبرى ؛ كم هي من السنين؟ وأكثرهم على أنها ثلاثون ألف سنة، وبعضهم على أنها ثلاثمائة ألف سنة وستين ألف سنة. وإنما يعتبرون في تلك الأدوار سير الثوابت لا السيارات ، وعند الهند أكثرهم : أن الفلك مركب من الماء والنار والريح ، وأن الكواكب فيه نارية هوائية. فلم تعدم الموجودات العلوية إلا العنصر الأرضي فحسب.
__________________
(١) الفرجار : البركار ، يقال خط فرجاري أي مستدير.