وأنه أصل كل شيء ، وبه كل ولادة ونموّ ، ونشوء وبقاء ، وطهارة وعمارة ، وما من عمل في الدنيا إلا وهو محتاج إلى الماء.
فإذا أراد الرجل عبادته تجرد وستر عورته ثم دخل الماء إلى وسطه ، فيقيم ساعة أو ساعتين أو أكثر ، ويأخذ ما أمكنه من الرياحين فيقطعها صغارا ويلقي فيه بعضها بعد بعض وهو يسبح ويقرأ ، وإذا أراد الانصراف حرك الماء بيده ، ثم أخذ منه فنقط به رأسه ووجهه وسائر جسده خارجا ، ثم سجد وانصرف.
٥ ـ الأكنواطريّة ، أي عبّاد النار
ومن ذلك الأكنواطرية (١) : أي عباد النار : زعموا أن النار أعظم العناصر جرما ، وأوسعها حيزا ، وأعلاها مكانا ، وأشرفها جوهرا ، وأنورها ضياء وإشراقا ، وألطفها جسما وكيانا. والاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع ، ولا كون في العالم إلا بها ولا حياة ولا نمو ، ولا انعقاد إلا بممازجتها.
وإنما عبادتهم لها أن يحفروا أخدودا مربعا في الأرض ، ويؤججوا النار فيه ؛ ثم لا يدعون طعاما لذيذا ، ولا شرابا لطيفا ، ولا ثوبا فاخرا ، ولا عطرا فائحا ، ولا جوهرا نقيا إلا طرحوه فيها تقربا إليها وتبركا بها ، وحرموا إلقاء النفوس فيها ، وإحراق الأبدان بها خلافا لجماعة أخرى من زهاد الهند.
وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعظمائها ، يعظمون النار لجوهرها تعظيما بالغا ويقدمونها على الموجودات كلها.
ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها من أنفاسهم نفس صدر عن صدر محرم.
وسنتهم : الحث على الأخلاق الحسنة ، والمنع من أضدادها ، وهي الكذب ، والحسد والحقد ، واللجاج ، والبغي ، والحرص والبطر ، فإذا تجرد الإنسان عنها قرب من النار ، وتقرب إليها.
__________________
(١) ويقال لهم (مك) أي المجوس. (تحقيق ما للهند من مقولة ص ٥٨).