ابن أبي الحديد في الشرح : أراد بذلك راية الحقّ الثقلان المخلّفان بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهما الكتاب والعترة قال : يقول عليهالسلام : «من خالفها متقدّما لها أو متأخرا عنها فقد خرج عن الحق ومن لازمها فقد ما أصاب الحق» ثم قال : «دليلها مكيث الكلام» يعني نفسه عليهالسلام ، لأن المشار إليه من العترة ، وأعلم الناس بالكتاب ، ومكيث الكلام : بطيئه ورجل مكيث أي رزين ، والمكث : اللبث والانتظار.
فأما قوله عليهالسلام: «مكيث الكلام» فانّ قلّة الكلام من صفات المدح وكثرته من صفات الذّم(١).
الثامن والثلاثون : ابن أبي الحديد قال : ومن كتاب كتبه عليهالسلام إلى الحارث الهمداني قال : «وتمسّك بحبل القرآن انتصحه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه» قال ابن أبي الحديد في الشرح : جاء في الخبر المرفوع لما ذكر الثقلين فقال : «أما أحدهما كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله وطرف بأيديكم» (٢).
التاسع والثلاثون : ابن أبي الحديد قال : في كلام لأمير المؤمنين عليهالسلام : «وآخر قد تسمى عالما ليس به فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضلّال ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن الناس من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول اعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ولا باب العمى فيصدّ عنه وذلك ميّت الأحياء.
فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟! والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة فأين يتاه بكم وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم ، وهم أزمّة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش ، أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله : إنه يموت من مات منّا وليس بميت ويبلى من بلى منّا وليس ببال ، فلا تقولوا ما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، وأعذروا من لا حجة لكم عليه وهو أنا ألم اعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر قد ركزت فيكم رآية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل إليه الفكر».
قال ابن أبي الحديد في الشرح الاعلام المعجزات هاهنا : جمع علم ، وأصلها الجبل أو الراية والمنار تنصب في الفلاة ليهتدى بها وقوله : «فأين يتاه بكم» أي أين يذهب بكم في التّيه ويقال :
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٨٥.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٤٣.