بينما زعم ابن الصلاح (ت ٦٤٣ هـ) بأنّ «للصحابة بأسرهم خصّيصة ، وهي أنّه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، بل ذلك أمر مفروغ منه ؛ لكونهم على الإطلاق معدَّلين بنصوص الكتاب والسنّة وإجماع من يعتدّ به في الإجماع من الأمّة»(١).
إلاّ أنّ هذا التظاهر بعدالة جميع الأصحاب في المدرسة السنية لم يكن لينطلي على جميع العلماء والمحقّقين ، فقد برز من الفقهاء في المدرسة السنّية من قام بالتمييز بين المجروحين والمعدَّلين ، وبين الضعفاء والمتروكين ، وبين الأحاديث الموضوعة والصحيحة ، كالسيوطي (ت ٩١١ هـ) الذي صنّف كتاب اللآلى المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ، وأبو فضل المقدسي (ت ٥٠٧ هـ) مصنّف كتاب تذكرة الموضوعات ، وابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) مصنّف كتاب الضعفاء والمتروكين ، والرازي (القرن الرابع الهجري) مصنّف كتاب الجرح والتعديل.
مواجهة أئمّة أهل البيت عليهمالسلام لظاهرة الكذب في الرواية :
واجه أئمّة أهل بيت الهدى عليهمالسلام ظاهرة الكذب ، ووضعوا لمعالجتها الضوابط الشرعية ، التي ألزمتنا بأخذ الروايات من الثقات ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)تنبّأ بظهور الدسّ والوضع في الحديث ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)محذِّراً : «... فمن كذب علىَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ...»(٢).
بينما وضع أمير المؤمنين عليهالسلام منهجاً في الإسناد ، فقال : «إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم ، فإن كان حقّاً فلكم ، وإن كان كذباً
__________________
(١) مقدّمة ابن الصلاح : ١٧٤.
(٢) أُصول الكافي ١ / ٥٠ ح ١ باب اختلاق الحديث.