الوعي لوضع الرواة ، وقد لخّص الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) ذلك في عُدّة الأُصول ، فقال : «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذمّوا المذموم ، وقالوا : فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذّاب ، وفلان مخلّط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم ، حتّى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعفه بروايته ، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه ، لا تنخرم»(١).
وكان الفقهاء عند توثيقهم أحد الرواة يستخدمون اللغة الجميلة الواضحة ، مثلاً : يقول الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) في توثيق الشيخ الصدوق (ت ٣٢٩ هـ) : «كان جليلاً ، حافظاً للأحاديث ، بصيراً بالرجال ، ناقداً للأخبار»(٢).
ومع أنّ أتباع أئمّة أهل البيت عليهمالسلام لم يكونوا قلّة ، بل كانوا من الكثرة بحيث كانت ثقافة آل البيت عليهمالسلام هي الحاكمة في المجتمع ، إلاّ أنّ الحرّية الفكرية التي جاء بها الإسلام ، استغلّتها شريحة من الناس ؛ فتمذهبت بمذاهب شتّى ، واتّبعت نحل وأفكار مختلفة.
فمنهم من آمن بإمامة محمّـد بن الحنفية (الكيسانية)(٣) ، ومنهم من
__________________
(١) عدّة الأُصول ١ / ٣٦٦.
(٢) الفهرست ـ الشيخ الطوسي ـ : ٤٩٥.
(٣) الملل والنحل ١ / ١٤٧ ، والفرق بين الفِرق : ٢٣.