من ناحية العلم أو الجهل ، صحّة المعتقد أو بطلانه ، الاستقامة أو الفساد ، وكانوا يشيعون ذلك الوعي بين الناس ، فأصبح المجتمع في إطار ثقافة عامّة تميّز الصادق من الكاذب ، إلى درجة أنّ أهل قم كانوا يخرجون الراوي الكاذب أو من يتوّهمون أنّه كاذب من ديارهم ، وكانت تلك قمّة الثقافة الرجالية للمتقدّمين من أهل العلم.
٢ ـ إنّ الخلفية الثقافية للراوي قد تكون سبباً في انحرافه عن الجادّة ، فإذا كان الراوي لا يعي حرمة تزوير الحديث عن المعصوم عليهالسلام ، ولا يدرك عظمة إثم الوضع ؛ أصبح الكذب عنده أمراً مستساغاً ، خصوصاً وأنّ بين الرواة من كان عامّياً أو ادّعى لنفسه الإمامة أو أنكر موت الإمام عليهالسلام ؛ حرصاً على المال.
٣ ـ إنّ مشكلة الكذب والتزوير خلقت مشكلة جديدة ، وهي التشدّد العظيم في سجلّ الرواة ، ممّا أدّى إلى تجريح عدد من الثقات ، وهذا الأمر بحاجة الى مراجعة علمية وتروٍّ ؛ من أجل الوصول إلى الأسباب الداعية إلى التجريح وتصحيحها.
ج ـ البعد السياسي :
وبالتأكيد فإنّ الوضع السياسي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ليسمح بازدهار نقل الحديث الصحيح ، فقد أحرق الخليفة الأوّل بعض كتب الحديث ، وبضمنها خمسمائة حديث كان قد جمعها هو من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(١). بينما أحرق الخليفة الثاني جميع كتب الحديث
__________________
(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٥ ، النصّ والاجتهاد : ٥١.