إذن نؤكّد على نقطتين هنا في غاية الأهمّية ، وهما :
١ ـ إنّ أسماء ـ الرواة التي وردت في الكتاب ـ ليس كلّها من الثقات. فقد صرّح الكليني بصحّة روايات كتبه ، لا بوثاقة رجال رواياته.
والمراد من صحّة الروايات هو : اقترانها بقرائن موضوعية أو شرعية تفيد الاطمئنان بصدورها عن أئمّة الهدى عليهمالسلام ، فقد تجتمع قرائن موضوعية عند أحد الفقهاء لتوثيق راو معيّن ، بينما لا تنهض تلك القرائن عند فقيه آخر إلى درجة الوثاقة. مثلاً : وثاقة إبراهيم بن هاشم عند العلاّمة المامقاني ، قال : «... ألا ترى أنّهم ذكروا في إبراهيم بن هاشم ، أنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم ، وهذا يدلّ على ما هو أقوى من حسن الظاهر بمراتب ؛ لأنّ أهل قم كان من شأنهم عدم الوثوق بمن يروي عن الضعفاء ، بل كانوا يخرجونه من بلدهم ، فكيف بمن كان هو في نفسه فاسقاً أو على غير الطريقة الحقّة؟!
فتحقّق نشر الأخبار بينهم يدلّ على كمال جلالته ، ومع ذلك لم يصرّح فيه أحد بالتوثيق والتعديل»(١).
فوثاقة إبراهيم بن هاشم عند العلاّمة المامقاني قد لا تجد لها صدىً عند فقيه آخر.
وبالنتيجة أنّ التوثيق أمر اجتهادي ، يخضع لضوابط مثل : تعارف الفقهاء على صدق الراوي ، وشياع ذلك ، وإمارات وقرائن تحفُّ به خلال روايته بما يفيد القطع واليقين والاطمئنان.
وتصريح الكليني بصحّة روايات كتبه ، تدلّ على تمام القرائن
__________________
(١) تنقيح المقال ١ / ١٧٦ المقدمة.