وأوّل هذه الطرق : هو طريقة الحكمة ، وهو عبارة عن البراهين اليقينية ، والأقيسـة القطعية التي تفيد النتائج القطعية والعقائد اليقينية ، وهذه أفضل الطرق وأشـرفها ، وهي التي أشـار الله تعالى إليها بقوله : (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(١) ، وأتباع هذه الطريقة لا يقبلون الدعوة إلاّ بها ، وهم طلاّب الحكمة ، وأتباع العلوم اليقينية ، والدلائل القطعية.
وثانيها : طريق الموعظة الحسـنة ، وهو عبارة عن الدلائل الإقناعية والأمارات الظـنّية ، أو ما يسـمّى بـ «الأدلّة الخطابية» ، فمن الناس من يسـكن إليها وتطمئنّ بها قلوبهم ، وهم أهل الفطرة والسـلامة الّذين لم يبلغوا مرتبة فهم المعارف الحكمية العالية ، والبراهين القطعية الدقيقة ، بل يكـتفون بالخطابات الحسـنة.
وثالثها : طريق الجدل ، وهو عبارة عن الأدلّة التي يراد بها إلزام الخصم ، وإبطال حجّته ، وإفحامه ، والتسـمية المشـهورة لهذه الطريق هي «علم الكلام» ، ويقسـم إلى قسـمين.
أوّلا : أن تكون الأدلّـة مركّبة من مقدّمات باطلة ، وشـرطيّات فاسـدة ـ وإن اعتمد فيها ظاهراً على بعض المسـلّمات ـ فتكون النتائج باطلة ، وهي بالمغالطيات والمشـاغبات أشـبه ؛ مرجعها القصور الذهني ، وقلّة التمييز ، والغايات المغرضة ، وهذه طريقة أصحاب المتبنّيات القبلية الباطلة ، وأتباع التأويلات الفاسدة ، وأهل العناد ، والسفسـطائية ، والمشاغبين ، والتي يراد الترويج لها بكلّ التلبيسـات والحيل الفاسـدة ، وهذا القسـم لا يليق بالعامّة
__________________
(١) سـورة البقرة ٢ : ٢٦٩.