قليلا قليلا ودرجة بعد درجة ، فهؤلاء سيستدرجهم إلى الهلكة والخسران حتى يقعوا في العذاب بغتة ، وبحيث لا يحسّون كيف اعترفوا بذنوبهم فاستحقّوا سخط الله وعذابه. فهو سبحانه سيأخذهم في المستقبل القريب ـ أي بعد موتهم ـ بدليل السين التي دخلت على الفعل.
١٨٣ ـ (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ...) أي وأستأنيهم ، وأتركهم في ضلالهم ولا أستعجل بأخذهم ، بل أمهلهم ولا أعاجلهم بالعقاب ، فإنهم لن يفوتوا قدرتي ولن يفوتهم عذابي ، فإن كيدي : أي عذابي منيع قوي لا يقف بوجهه حائل ولا يدفعه دافع. وقد سمّى سبحانه عذابه هذا كيدا لأنه ينزل بهم من حيث لا يحسبون له حسابا ومن حيث لا يشعرون.
* * *
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦))
١٨٤ ـ (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ...) يعني : أولم يفكّر هؤلاء الكفار المكذّبون الذين مرّ ذكرهم ، والذين عاندوا محمدا صلىاللهعليهوآله ولم يؤمنوا به وبقوله ، أو لم يتفكّروا أنه ليس بمجنون ولا خالطه مسّ ولا ظهر عليه ذلك في قول أو فعل؟ وقد قيل في سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد صعد الصّفا وأخذ يدعو قريشا فخذا فخذا إلى توحيد الله ويخوّفهم عذابه ، فقال المشركون : إن صاحبهم قد جنّ ، بات ليلا يصوّت إلى الصباح .. (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ