وإن لم تصغ إلى حديثي فقد سمعه آخرون ، يعني لقد كفيت المؤونة أو لقد استوفيت الحظ وبلغت الغرض ، فهذا غير جائز فيه تعالى لبراءة ساحته عن كل حاجة وعدم مغلوبيته فيما يريد ، بل تسلية منه تعالى لرسوله ، إنّه إن يكفر بها هؤلا الكفّار من أهل مكة وغيرهم (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) ، وعلى هذا يجب أن يكون في كلّ عصر من هو موكلّ عليها مؤمن بها غير كافر ألبتّة ، ولازمه أن الأرض لا تخلو من معصوم.
ومن هنا يظهر أن لا معنى لقول من يقول : إنّ المراد بهم أصحاب النبي وكلّ من آمن به ، وفيه : أنّ فيهم منافقون وأصحاب الردّة ، وكذا ما قيل : إنّهم كلّ مؤمن من بني آدم ، وكذا ما قيل : إنّهم الأنصار ، وكذا ما قيل : إنّهم الفرس على أنّ كلامه في الإيمان غير المختلط بالشرك ، وقد قال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١) ، وكذا ما قيل : إن المراد بهم الملائكة وكذا ما قيل : إنّهم الأنبياء المذكورون في الآيات السابقة ، وليت شعري أيّ معنى لتسلية رسول الله : فإن كفر بها قومك وكذّبوا دعوتك فالملائكة يؤمنون بها أو الأنبياء الماضون قد آمنوا بها ، فيتسلّى بذلك رسول الله ويذهب الحزن عن قلبه ، وما وجه التعبير بقوله : هؤلاء وترك لفظ القوم ، كما في أمثال هذه الموارد؟
فإن قلت : يدل على أنّهم هم الأنبياء وصل قوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) بما قبله : وقوله تعالى بعده : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) كما في الآية.
قلت : لا دلالة فيه على ذلك ، أمّا الآية الاولي : فدلالتها مبنية على أن يكون المراد بالتوكيل الحمل ، وليس كذلك البتّة ، بل هو التحفّظ ، كما سيجيء ، وأمّا الثانية : فإنّما تتمّ دلالتها لو كان رسول الله ـ صلّى الله عليه ـ وآله مأمورا
__________________
(١). يوسف (١٢) : ١٠٦.