قوله سبحانه : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)
إن قلت : ما وجه الإلتفات في هذه الجملة من الغيبة السابقة في قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) إلى التكلم بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ) ، ثم إلى الغيبة في قوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ) ، ثم إلى التكلم في قوله : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً). ثم إلى الغيبة في قوله : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ، ثم إلى التكلم في قوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً). ثم إلى الغيبة في قوله : (عَنْ سَبِيلِهِ).
قلت : قوله تعالى : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) ، في معنى : يقول لكم ربّكم ، وعلى هذا فقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، وقوله : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً) ، إنتهى. في معنى مقول القول ، والتقدير يقول لكم ربّكم : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).
وبه يظهر أنّ الكلام ليس من الالتفات في شيء ، بل كلام مضاف إلى كلام لتوضيح البيان وإعطاء السبب وتفسير المراد ، وبه يظهر أيضا أن قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
الجملة الاولى إلى قوله : (فَاتَّبِعُوهُ) ، بيان لقوله : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ، بحسب المعنى كما سمعت.
والجملة الثانية إلى قوله : (عَنْ سَبِيلِهِ) ، بيان له بحسب اللفظ ، وعلى هذا ، فتقدير ما يعدّه النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ بحسب أمره سبحانه : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) ، إلى أن يقال : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) ، (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ، إلى آخره.
وبالجملة ، بعض الجمل تابع وبيان لما حرّم لفظا ، وبعضها تتبعه معنى فلا التفات ، غير أنّ النظم عجيب ، فأحسن التدبّر فيه.