أقول : والآيات الثلاث تشتمل على عشرة أحكام أو تسعة ، باستثناء أتباع السبيل لم يورد منها في صورة [النهي] إلّا خمسة ، وأوردت الباقية في صورة الأمر وهي قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ) ، وقوله : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) ، وقوله : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا).
فإن قلت : ما معنى اختلاف الحكم فإن الموعود تلاوة المحرمات ، وقد ذكر في طيّها الواجبات؟
قلت : ما ذكره في صورة الواجبات في معنى المحرّمات فإنّ معنى (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، أن لا تسيئوا بالوالدين ، وهكذا في البواقي ، والوجه فيه أن المأنوس به في نحو الشرك والقتل وأكل مال إليتيم وقتل الأولاد هو جانب الترك ، بخلاف نحو برّ الوالدين والعدل في القول والوفاء بالعهد ، فالمأنوس به فيها جانب الفعل ، وإن كان جانب الترك محرما بالخصوص.
فإن قلت : الذي وعده سبحانه بيان المحرمات ، والذي ذكره التكاليف المتعلقة بها دون نفسها ، فكان الواجب أن يقال : الشرك وبرّ الوالدين وهكذا ، لا أن يقال : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
قلت : هذه الجمل في المعنى مقول القول ، وتقدير الكلام : قل يقول لكم ربكم : أن لا تشركوا به شيئا إلى آخره ، وسيجيء توضيحه وتوضيح الوجه فيه.
قوله : (مِنْ إِمْلاقٍ)
الإملاق : الفقر ، وكلمة «من» النّشويّة تفيد التعليل ، أي من أجل املاق أو خشية املاق ، كما في قوله في موضع آخر : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (١).
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٣١.