وقد ذكر بعض المحققين في سرّ التضعيف في الحسنة بعشر أمثالها دون السيئة : أنّ الجوهر الإنساني المؤمن بطبعه مائل إلى العالم العلوي لأنّه مقتبس منه ، وهبوطه إلى القالب الجسماني غريب عن طبيعته ، والحسنة إنّما ترتقي إلى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر لأنها من جنسه ، والقوة التي تحرك الحجر إلى ما فوق ذراعا واحدا هي بعينها إن استعملت في تحريكه إلى أسفل ، حركته عشرة أذرع وزيادة ، فلذلك كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، ومنها ما يوفّى أجرها بغير حساب ، والحسنة التي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب كالحجر الذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع ، فإنّه لا يتقدر مقدار هوية بحساب حتى يبلغ الغاية ، إنتهى (١).
وفيه أولا : إنّه لا يفي ببيان تخصيص التضعيف بعدد العشرة.
وثانيا : إنّه بنى الزيادة والنقيصة على مقدار مقاومة المانع وعدمها ، فكلما خلص العمل اشتدّ تأثيره.
وهذا حق كما بيّناه آنفا إلّا أنّ لازمه أن يأخذ المبدأ نفس العمل خالصا ثم يتنزّل بحسب مقاومة الموانع وقلّتها وكثرتها ، فيؤخذ بالنصف والثلث والربع إلى العشر وما فوقها ، لا أن يؤخذ بالأضعاف كعشرة أمثال وسبعين ضعفا ونحوها ، وهو ظاهر.
وثالثا : إنّ لازمه أن السيئة إذا تمكنت فى النفس وأخلدت إلى الأرض أن تضاعف السيئة إلى عشرة أمثالها أو غيرها وليس كذلك.
فالظاهر أن يكون جزاء الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها لمجرد الإمتنان
__________________
(١). تفسير الصافي ٢ : ١٧٦.