ومن هنا يظهر أنّ ها هنا طوائف أخر غير هاتين الطائفتين ، أعني : المفلحين والخاسرين فإنّهما طائفتان خاصتان وهم الذين قال تعالى في حقّهم : (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) ... (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١) ، والذين قال تعالى فيهم : (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٢) فهاتان طائفتان استثنى سبحانه إحداهما من الحضور يوم القيامة وهم المخلصون ، والأخرى من إقامة الوزن فقوله سبحانه : (الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) ، عام لا يتخصّص إلّا بهاتين الطائفتين وغيرهما يقام له الوزن ، لكن الترديد بين من ثقلت موازينه ومن خفت موازينه غير حاصر بشهادة قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، وقوله : (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) فإنّهما وصفان غير حاصرين وقد قال تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٣) ، وهم الذين لم يتعيّن لهم من ناحية العمل سعادة أو خسران ، بل أمرهم إلى الله سبحانه.
فقد تحصّل مما مرّ أن وضع الميزان يوم القيامة حقّ ، إلّا أنّه ميزان لا يوزن به الثقل فقط كالموازين المعهودة عندنا لتشخيص ثقل الأجسام في ناموس التجاذب ، بل ميزان يشخّص الثقل والخفّة معا كما عرفت ، وأنّه يستثنى منه طائفتان.
إحداهما : المخلصون.
وثانيتهما : الحابطون عملا وهم الكافرون بآيات الله ولقائه ، والباقي من أهل الجمع ينصب لهم الموازين وهم المفلحون ، وهم : السعداء والخاسرون ، وهم
__________________
(١). الصافات (٣٧) : ١٥٨ ـ ١٦٠.
(٢). الكهف (١٨) : ١٠٥.
(٣). التوبة (٩) : ١٠٦.