ويشعر به قول إبليس أيضا في ضمن القصة على ما نقله سبحانه في سورة الإسراء : (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (١).
وسيجيء بهذا إشعار في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) (٢).
وقوله سبحانه : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ)
قال سبحانه في سورة الكهف : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٣) ، وهذا يدل على أنّه لم يكن من جنس الملائكة ، وقد اعتلّ لعنه الله عن الإمتثال بقوله : (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٤). وقد قال تعالى في سورة الحجر : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٥) ، ولذلك اختلفت الأقوال في كيفية هذا الإستثناء : أهو متصل بتغليب الملائكة لكونهم أكثر وأشرف ، أو إنّه استثناء منفصل ولعلّ قوله تعالى : (إِذْ أَمَرْتُكَ) ينافي كلا الإحتمالين من التغليب وانفصال الإستثناء.
والذي يمكن أن يستفاد من ظاهر كلامه سبحانه أنّه كان مع الملائكة من غير تميّز له منهم ، وأنّ المقام الذي كان يجمعهم جميعا كان مقام القدس والطهارة ، وأنّ الأمر إنّما كان متوجّها إلى المقيم بذلك المقام والنازل بتلك المنزلة ، كما يشعر به قوله سبحانه : (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) ، حيث قيّد الكلام بقوله : (مِنْها) وقوله : (فِيها) ، ولو كان الخطاب متوجّها إليهم من
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٦٢.
(٢). الأعراف (٧) : ١٧٢.
(٣). الكهف (١٨) : ٥٠.
(٤). ص (٣٨) : ٧٦.
(٥). الحجر (١٥) : ٢٧.