كالدنيا ، وإنّ عدم استجابته إلى ذلك كان منة منه تعالى لعباده ، فوسوسته ممتدة إلى آخر الدنيا ، وإن كان ربّما صحب الإنسان بعد موته أيضا كما يدلّ عليه قوله سبحانه : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ* وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ* وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (١) (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٢) ، وقوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللهِ) (٣).
وقوله : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي)
نسب إليه الإغواء ، والغيّ : خلاف الرشد الضلال والخيبة ، أي بسبب إلقائك إيايّ في جانب الضلال ، أو بما خيّبتني وهو الأظهر.
وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)
وصف لكيفية إضلاله الناس ، وبذلك يظهر كيفية فعله ونوع عمله ، وقد وصف سبحانه كيفية عمله بوجوه من الوصف ، وبيّنها بطرق من البيان فقال هاهنا : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) ، وقال أيضا : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ
__________________
(١). الزخرف (٤٣) : ٣٦ ـ ٣٩.
(٢). ق (٥٠) : ٢٧.
(٣). الصافات (٣٧) : ٢٢ ـ ٢٣.