الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١) ، تحصّلت أنّ هذه الحياة الدنيا التي هي متقوّمة بغرور الشيطان ، التي بعينها فتنة وإبتلاء من الله سبحانه لعباده.
ثم إنّ الإنسان بالبداهة لا يرى علمه إلّا لنفسه ، ولا فعله إلّا عن نفسه ، فسنخ فعل الشيطان وعمله سنخ لا يزاحم ما عليه الإنسان من الإستقلال في نفسه ، على خلاف الاعمال والأفعال المألوفة ، حيث إنّ وجود الشريك يسقط الشريك عن الإستقلال والتفرّد بالفعل ، وبهذا الذي ذكرنا يظهر كيفية موقعه من الإنسان وقد قال تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) ، ولم يقل : إنّه يراكم هو قبيله ولا ترونهم حتى يدلّ على اختلاف في وصف فقط وهو الرؤية وعدمها ، بل أتى بقوله : (مِنْ حَيْثُ) فدلّ على أنّ موقعه موقع لا يمكن للإنسان أن يجده ، أي سنخ وجوده من غير سنخ الأجسام ، حتى يحسّ به بالإنفصال أو السراية والإحتلال ، والقرب والأجتماع والافتراق.
وممّا مرّ يظهر أنّ قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) ، لا يعني بها الجهات الأربعة المحسوسة ، على أنّه سبحانه قال قبل ذلك : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) ، وإنّما هو صراط ممدود إلى الله ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٣) ، فما بين أيدي الإنسان ما يتوجّه إليه من الآخرة وما خلفه ما يستدبره ويتخلّفه من الدنيا ، وجانبا اليمين والشمال أسباب الميمنة وأسباب المشأمة ، ومن ذلك
__________________
(١). الأعراف (٧) : ٢٧.
(٢). الأعراف (٧) : ٢٧.
(٣). الإنشقاق (٨٤) : ٦.