يظهر أنّ الصراط المستقيم حقيقة الطريق الذي يسلكه الإنسان ويقطعه سائرا إلى ربّه ، لا مجرّد المعارف الدينية الإدراكيّة التي هي صراط بنحو من العناية.
وقوله سبحانه : في ذيل الآيات : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (١) ، مشعر بأنّ له ـ لعنه الله ـ قبيلا ، أي قبيلا ، (٢) وظاهر الآية أنّ نسبة قبيله من بني آدم في إغوائهم نسبة نفس إبليس ، وأنّ الجميع شياطين وأولياء للذين لا يؤمنون ، وقال سبحانه : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) (٣) ، فأثبت له ذرية ، والذرية ـ على ما يظهر من اللغة ـ الخلق بالنسل بنحو التجزّي والإنفصال كالتبعيّة ، قال تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) (٤) ، وكلامه سبحانه وإن لم يقصّ كيفية انتشار ذراريه وقبيله منه ، غير أن لفظ الذرية والقبيل يعطي أنّ وجودهم من نوع وجوده ، وفعلهم من نوع فعله ، ومع ذلك فهو آمر في ذريّته ومتبوع مطاع في قبيله ، كما يظهر من قوله تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) (٥) ، والآية مع ذلك تشعر بأنّ فيهم نوعا من الإختلاف وهو الشدّة والضعف وسرعة العمل وبطئه ، فإنّ الفارق بين الخيل والرجل هو سرعة اللحوق وبطئه ، ونوعا آخر من الإختلاف وهو الإجتماع في العمل والإنفراد كما يدلّ عليه أيضا قوله : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (٦) ،
__________________
(١). الأعراف (٧) : ٢٧.
(٢). هكذا في الخطوط ولعلّ الصحيح «خيلا» ، والقبيل جمع القبيلة كما يظهر من مراجعة المفردات للراغب الاصفهاني.
(٣). الكهف (١٨) : ٥٠.
(٤). يونس (١٠) : ٨٣.
(٥). الإسراء (١٧) : ٦٤.
(٦). المؤمنون (٢٣) : ٩٧ ـ ٩٨.