وثانيهما : من حيث نسبته إلى الحق سبحانه من حيث إيجاده.
الطريق الأوّل : هو الساذج البسيط المأنوس لأوائل العقول هو أنّ الله سبحانه خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سوّاه إنسانا تامّا عاقلا ، يفعل باختياره ، ويميّز بين الحسن والقبيح والطاعة والمعصية ، والحسنة والسيئة ، فإن اتّبع عقله وأطاع ربّه فيما يأمره وينهاه كان سعيدا ، وجوزي جزاء حسنا ، وإن خالف عقله واتبع هواه كان شقيا وجوزي جزاءا سيّئا وأدخل النار وبئس القرار ، والدار دار امتحان وابتلاء ، والجزاء بعد الموت وفي القيامة وأساس هذا الطريق من البيان على قضيتين.
إحداهما : أنّ بين الفعل الإختياري ومخيّره فرقا وهي قضيّة عقلية ضرورية غير قابلة للإنكار.
وثانيتهما : أنّ الأفعال الإختيارية تتّصف بحسن وقبح ، تستتبع مدحا وذما وثوابا وعقابا ، وهي قضية عقلائية لا ينكرها عاقل البتة ، فلا يسوغ لأحد أن يتوهّم نوعا آخر من البيان ينافيه ، ولا أن صحّته تبطل صحّة هذا الطريق لاستناده إلى ما عرفت من قضيتين عقلية وعقلائية.
الطريق الثاني : طريق الإستناد إليه سبحانه على ما يلائم ساحة قدسه سبحانه ، وهو المسمّى بالقدر يدلّ على ذلك الكتاب والسنّة والآيات في الدلالة عليه مختلفة.
منها : ما يدل على أصله ، وأنّ لله سبحانه تأثيرا في كلّ شيء في ملكه ، وأن للأشياء بحدودها إستنادا إليه سبحانه لا يشذّ عن حيطة سلطانه شيء أبدا ، كقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١) ، وقوله تعالى :
__________________
(١). الحجر (١٥) : ٢١.