أقول : والروايات في هذا المعنى أيضا كثيرة.
وفي العلل : عن حبّة العرني ، عن علي ـ عليهالسلام ـ قال : «إنّ الله خلق آدم من أديم الأرض ، فمنه السباخ ومنه الملح ومنه الطيّب ، فكذلك في ذريّته الصالح والطالح» (١).
أقول : وللرواية جهة بيان للمعنى السابق فإن مدلوله : أنّ المادة الأرضية على اختلاف ذاتها يوجب اختلافا في الإنسان المخلوق منها ، فإن الضرورة قاضية أنّ اختلاف المواد في ذاتها موجبة لاختلاف الصور الطارئة عليها ، فقوله ـ عليهالسلام (٢) ـ : «إن الإنسان مخلوق من طين» ، وقوله : «إنّ أصله من الجنة أو من النار» يقضي أن من الأرض ما هي من الجنة ، ومنها ما هي من النار ، كما يشعر به أيضا قوله [تعالى] حكاية عن أهل الجنة (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) (٣) ، فكما أن الإنسان يتطور طورا بعد طور إلى أن يرد جنّة أو نارا ، فكذلك هو قد تطوّر طورا بعد طور حتى صار انسانا في الدنيا ، وقد كان قبل ذلك عند الله غير فائت منه ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٤) ، فله أوّل عند الله ، وله آخر يعود فيه إلى عند الله ، وقد قال تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ، فأصل الإنسان إمّا من الجنة أو من النار.
ومن الوجوه : أنّ الناس مختلفون ، فمنهم من خلقه الله من ماء عذب فرات ،
__________________
(١). علل الشرائع ١ : ٨٣ ، الحديث : ٣.
(٢). في الاصل : «سبحانه» والصحيح ما أثبتناه في المتن.
(٣). الزمر (٣٩) : ٧٤.
(٤). الحجر (١٥) : ٢١.