ومنهم من خلقه من ماء ملح أجاج ، قال سبحانه : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).
وأنت ترى موقع الآية الثانية من الاولى وأنه بمنزلة التمثيل لمضمون الآية الاولى وتشريح اختلافهم في أنفسهم في عين اتحادهم ، وقد قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٢) ، وسيجيء بيانه إن شاء الله.
وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً* وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (٣).
وفي العلل : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «إنّ الله عزوجل خلق ماء عذبا ، فخلق منه أهل طاعته ، وجعل ماءا مرّا فخلق منه أهل معصيته ، ثم أمرهما فاختلطا ، فلو لا ذلك ما ولد المؤمن إلّا مؤمنا ، ولا الكافر إلّا كافرا» (٤).
أقول : والروايات في هذا المعنى كثيرة جدا.
وفي العلل : عن محمد بن سنان عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : سألته عن أوّل ما خلق الله ، قال : «إن أوّل ما خلق الله ـ عزوجل ـ ما خلق منه كل شيء ،
__________________
(١). فاطر (٣٥) : ١١ ـ ١٢.
(٢). الأنبياء (٢١) : ٣٠.
(٣). الفرقان (٢٥) : ٥٣ ـ ٥٤.
(٤). علل الشرائع ١ : ٨٢ ، الباب : ٧٧ ، الحديث : ١.