والثانية : تحكي أن الماء هو الماء الذي خلق منه كلّ شيء حتى الجنّة والنار قال تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١) ، وهذه تثبت أصلا آخر يرجع إليه الإختلاف في الخلق متقدما على الماء والطين والجنة ، والنار تشتّق منه الموجودات وينبغي أن يبني بيانه على قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) (٢) ، وقوله [تعالى] : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) (٣) ، وقوله : (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (٤) أمثالها ، ثم يوضع أساس البيان على كون الماء واردا على سبيل التمثيل أو التحليل ك : كون الجنة مخلوقة من الطين ، كما هو ظاهر الحديث ، وككون اول ما خلق الله هو الماء وغير ذلك ، وفي الروايات جهات أخرى سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
ومن الوجوه المذكورة أنّ خلقة البعض من النور دون الآخرين ، قال تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ* وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٥) ، فاتحاد السياق يوجب أن يكون المراد بالظلمات والنور هو الإنسان الشقي والسعيد ، والّا كان الأنسب أن يقال : وما يستوي العمي والبصير ، وما يستوي الحياة والموت على ما لا يخفى.
وفي العلل : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «إن الله تبارك وتعالى خلقنا
__________________
(١). هود (١١) : ٧.
(٢). الحجر (١٥) : ٢١.
(٣). النجم (٥٣) : ٤٢.
(٤). العلق ٩٦ : ٨.
(٥). فاطر (٣٥) : ١٨ ـ ٢٢.