لفاعله ، حيث قيل : (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (١) ، وقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢) ، لأنّ زيد السعيد بما هو سعيد ليس أصلا لهذا الفعل ولا وازرة لهذا الوزر. فلكلّ موطن حكمه الخاص به ، وفيه ظهوره وكلا الحكمين صادقان.
ومن هنا يظهر سرّ اختصاص هذه الأحكام بيوم القيامة وعدم شموله للبرزخ ، وإن كان أيضا من ظروف المجازاة ومن أيام الله تعالى ، لأنّه ملحق بالدنيا ومكث أرضيّ ، كما يدل عليه قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) (٣) ، ونظائرها من الآيات ، فلازم ذلك أن يكون الفاعل السعيد الفاعل لفعل شتّى مأخوذا بفعله وتبعة فعله في الدنيا وبعقاب فعله في البرزخ ؛ لأن الظاهر لم يرتفع أثره فيهما دون القيمة وهو كذلك ، والأخبار الكثيرة المؤيدة بالكتاب تدلّ عليه ، ولنرجع إلى أول الكلام.
فنقول : جميع هذه البيانات غير الأول كما عرفت تسند السعادة والشقاوة إلى أصل الخلقة ، وأن الإنسان بحسب أصل خلقته سعيد أو شقيّ ، والبيان الأوّل المذكور يسندهما إلى اختيار الإنسان ، ولا تنافي بين الطريقين لاختلاف الحكمين ، من حيث موطن الظهور والبطون ، وحكم الباطن كما عرفت حاكم على حكم الظاهر.
بيان ذلك ، إنا إذ تأمّلنا حال الموجودات التي بين أيدينا وجدناها على نظامين مختلفين :
أحدهما : نظام الإمكان والقوّة ، وهو أن كلّ سبب من الأسباب الموجودة معها
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٨٦.
(٢). الأنعام (٦) : ١٦٤.
(٣). المؤمنون (٢٣) : ١١٢.