تعالى : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١) ، وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٢) ، وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٣) ، وقوله : (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ) (٤). إلى غير ذلك من الآيات.
فالحكم حكمان : حكم ظاهري وحكم باطني ملكوتي ، وهما حكمان مختلفان عن منشأين مختلفين ، غير أنّ الإختلاف بينهما ليس اختلافا في العرض بحيث يتدافعان حتى يكذّب أحدهما الآخر ، بل اختلافهما اختلاف في الطول ، والحكم الملكوتي حاكم على الحكم الظاهري ، من غير عكس ، فإذا فرضنا زيدا السعيد ذاتا قد فعل سيئة ذات شقاء فحكم الظاهر يوجب ترتب تبعة فعله على نفسه ؛ لأنّه فعل اختياري صدر عنه باختياره فعل شىء فعليه تبعته وقد قال تعالى : (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٥) ، وقال : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٦) ، هذا ما يقضي به حكم الظاهر لكنّ حكم الباطن أنّ كل فعل فموضوعه ومالكه هو سنخه وأصله وجوهره ، أي أمر مناسب بالذات للفعل يرجع إليه الفعل ، والعمل السيّىء لا يقوم بأصل وذات سعيد ، بل بأصل شقى خبيث فهذا السعيد وهو ذات سعيدة ليس أصلا وموضوعا للشقاوة والمسائة لعدم السنخية بينهما ، فلو ظهر هذا الحكم الحقيقي الباطني في موطن وجب أن ينتزع أثر الشقاء والسيئة عن زيد ويلحق بموضوعه الحقيقي ، ولا ينتقض بذلك حكم الظاهر ، إنّ تبعة الفعل
__________________
(١). التوبة (٩) : ٩٤.
(٢). يونس (١٠) : ٩٣.
(٣). السجدة (٣٢) : ٢٥.
(٤). الزمر (٣٩) : ٤٦.
(٥). البقرة (٢) : ٢٨٦.
(٦). الأنعام (٦) : ١٦٤.