للمسيئين ذاتا والأشقياء طينة وسنخا ، بحسب ظرف الحقيقة ودعاء الحقّ ، فهو الذي تقتضيه حقيقة العدل.
وقوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١) وهي قضية أخرى بديهيّة ؛ فإنّه سبحانه المالك على الإطلاق ، وفعله تصرّف منه في ملكه ، ومن البيّن أنّ المالك مع فرض مالكيته لا يسئل عن التصرف في ملكه ، فلا تسئل عن الباصرة إنّك لم تبصرين المبصرات ، وعن السامعة إنّك لم تسمعين المسموعات ، وأمّا غيره سبحانه فلا يملك شيئا إلّا ما ملّكه به وأذن في تصرفه فيه ، فله أن يسأله عن تصرفه فيما تخطّى عن إذنه وتعدّى عن طوره فعلى هذا كان حقيقة فعله سبحانه حقيقة العدل لأنه مالك لفعله ، وفعله مملوك له لا لغيره ، ولذلك عقبّ ـ عليهالسلام ـ كون الأمر عدلا بينا بأنّه سبحانه لا يسئل عمّا يفعل وهم يسئلون ، فافهم ذلك.
قوله : حكم الله وحكم أنبيائه ، معناه بقرينة السياق قضاء الله ، أو حكم يقضي به الله تعالى ، فهو الحكم بحسب باطن الأمر وحقيقته ، فالله سبحانه لا يقضي بحسب الظاهر وإن أمر عباده أن يقضوا على وفق الظاهر بالبينات والأمارات ، ولهذا فسّره ثانيا بحكم الخضر ـ عليهالسلام ـ وهو حكم بحسب الباطن دون الظاهر كما سمّاه ـ عليهالسلام ـ تاويلا فللحقائق أحكام ستظهر عند موطنها ، وقد مرّ في سورة الأنعام أن يوم القيامة يوم ظهور كل حقّ وبطلان كلّ باطل ، وقد قال تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (٢).
ومن هنا يظهر معنى ما تكرّر في مواضع كثيرة من القرآن من نحو قوله
__________________
(١). الأنبياء (٢١) : ٢٣.
(٢). الزمر (٣٩) : ٤٧.