أن يوجد وأن لا يوجد معا ، فإنّه محال ، بل هو بالنسبة إلى الوجود الخارجي إمّا أن يوجد فقط وإما أن لا يوجد فقط ، فنسبة الفعلية والوجوب المذكورة نسبة القدر ، وحكمه استناد كل مسبّب إلى سببه التامّ الموجب ، ونسبة الإمكان المذكورة نسبة الإختيار والعمل وحكمه استناد المسببات إلى أسبابها الناقصة ، ومن هنا يظهر أنّ حكم القدر حاكم على حكم العمل والإختيار من غير عكس ، وبعبارة أخرى قد مرّ أنّ مسلك الإختيار قائم على أصلين :
أحدهما : وجود الإختيار فينا بالنسبة إلى بعض الأفعال.
والآخر : أنّ الفعل الإختياري يلحقه حسن وقبح ، ومدح وذم ، وثواب وعقاب ، فما دامت المقدّمتان قائمتين صادقتين فحكم الإختيار تام صادق ، ومن البيّن أنّ ثبوت تأثيره تعالى في إيجاد الأفعال الأختيارية بما هي اختيارية ، أي تعلّق إرادته بصدور الفعل الكذائي عن اختيار ، لا يوجب بطلان الإختيار ، وإلّا كان خلفا وهو ظاهر ، هذا محصل القول في استناد السعادة والشقاوة إلى الخلقة الأصلية.
ومن جميع ذلك ظهر أنّ هذا الإستناد لا يتمّ من دون القول بالقدر ، وظهر أنّ القول باستناد ذلك إلى ذوات الأشياء ينافي القول بالقدر.
وأمّا الكلام في نفس القدر فسيجيء فيما سيجيء إن شاء الله تعالى.
ولنرجع إلى أوّل الكلام في آية.
قوله [تعالى] : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)
العود يستلزم مسافة مقطوعة سابقة ، وحركتين سابقتين ، كما أن الهداية والضلالة مع فرض العود في كليهما يستلزمان جميعا إصابة المقصد وإرادته ،