وهذا يوجب وحدة المسافة المقطوعة عند الهداية ، وتعددها عند الضلالة ، فافهم ذلك ، فإنّ العائد من حركة إذا بلغ المقصد وقد ضلّ ؛ لم يكن ضالا إذا مع خروجه عن طريقه ، ولو لم يكن مع ذلك طالبا للغاية والمقصد وهو في الطريق لم يسلك الطريق ، لأنّ الطريق إنّما يراد لغيره ، ولو أريد لنفسه لم يكن حركة فالمهتدون على صراط واحد ، والضآلّون على طرق مختلفة ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (١) ، وقال سبحانه : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢) ، وقد مرّ جملة الكلام في الطريق والصراط في سورة (الفاتحة).
وقوله سبحانه : (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ)
لم يقل : وفريقا أضلّ كما في قوله : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٣) ، فإنّ الكلام وقع في ذيل النهي عن الإفتتان بالشيطان بتولّيه ، وقد قال سبحانه في حقه : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) (٤) ، وأيضا قال : (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٥) ، فقوله : (حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) إشارة إلى هذا القضاء المقضي وسيأتي كلام في الفرق بين الغواية والضلالة في سورة الحجر ينفع في هذا المقام ، فانتظره.
__________________
(١). الانشقاق (٨٤) : ٦.
(٢). الأنعام (٦) : ١٥٣.
(٣). إبراهيم (١٤) : ٤.
(٤). الحجّ (٢٢) : ٤.
(٥). الحجر (١٥) : ٤١ ـ ٤٢.