الرئيس في ذلك ، والإذن ، وإن كان نقضا للتدبير العامّ ، غير أنّه بإعتبار آخر تدبير آخر من التدابير العامّة حاكم على سائر التدابير ، فهو أيضا كسائر التدابير موجود في عرش المملكة صادر عنه ، فهذا في النظام الإعتباري الذي عندنا بنحو الإعتبار ، والنظام الحقيقي الذي هو موجود في عالم الوجود والتكوين على هذا النحو بحسب الحقيقة دون الإعتبار على ما تفيده وتشرحه هذه الآية وما في مضمونها من الآيات المشتملة على ذكر العرش إجمالا أو تفصيلا.
فقوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
يشير إلى ما يحويه العرش ويحيط به ، وهو المملكة.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ)
يشير إلى مقام في الوجود ، يجتمع عنده التدبير العامّ الإجمالي لنظام الوجود ، ففيه يعلم حقيقة التدبير الذي يدبّر عليه العالم ، ويدور عليه النظام بجزئياته وكليّاته ، وهو بمنزلة الروح لجميع التدابير العامّة المتوسطة بينه وبين الجزئيات التي هي بمنزلة الروح بالنسبة إلى جزئيات الحوادث ، ولذلك عقّب قوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) وقال سبحانه في سورة الرعد : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ) (١) ، وقال في سورة يونس : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ
__________________
(١). الرعد (١٣) : ٢.