إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (١) ، فعقّب الإستواء بتدبير الأمر وقوله : (ما مِنْ شَفِيعٍ) اشارة إلى دخول الإذن في التخلف عن التدبير في التدبير بوجه آخر كما مرّ بيانه ، وقد مرّ معنى الشفيع في الكلام على آية الكرسي وكان المراد به الأسباب في سببيتها ، وقال في سورة الم السجدة : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) (٢) ، فأنبأ عن رجوع كلّ ولاية أو شفاعة إليه فإنّ ولاية غيره نحو ولاية له سبحانه ، وشفاعة غيره شفاعته ، لأنّه هو المعطي لذلك كلّه بغناه ، والباذل له برحمته ، فالجميع منه وله ، وقال في سورة الحديد : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣) ، فعقب الإستواء بالعلم بالحوادث ، وقد مرّ آنفا بيان أنّه مقام إجتماع الحوادث ، فهو مقام العلم بها إذ ليس العلم بالشيء إلّا حضوره عند العالم ، والحوادث حاضرة بأجمعها في العرش على ما عرفت من البيان.
وقال تعالى في سورة هود : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (٤) ، فأشار أنّ هذه الموجودات كانت مسبوقة بالماء ، وكان العرش يومئذ عليه ، وقد قال سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٥) ، فالماء أصل هو أصل هذه الموجودات ، وقد كان عليه العرش ، فهو مقام التدبير الذي مرّ بيانه ، وقال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) (٦) ، وهو
__________________
(١). يونس (١٠) : ٣.
(٢). السجدة (٣٢) : ٤.
(٣). الحديد (٥٧) : ٤.
(٤). هود (١١) : ٧.
(٥). الأنبياء (٢١) : ٣٠.
(٦). الزمر (٣٩) : ٧٥.