أقول : وقد اتّضح معنى الحديث بالبيان السابق ، والروايات في هذه المعاني كثيرة ، والجميع يؤيّد ما مرّ من البيان في معناه ، وأمّا العرش بمعنى جسم كهيئة السرير ، فالروايات يكذبه ، كما مرّ في ما رواه في التوحيد عن سلمان عن علي ـ عليهالسلام ـ.
قوله سبحانه : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)
لمّا بيّن سبحانه إحاطة تدبيره على جميع الخلق وحضورها جميعا عند تدبيره ، ولا يكون هذا الحضور والتدبير إلّا بأن يكون أمرها جميعا إليه سبحانه ، فالأمر هو المدبّر لها جميعا وهو واسطة بينه وبينها ، وهذا معنى يحتاج تصوره إلى لطف قريحة ، فإنّك إذا قلت : هذا المال لي وحدي لم يصحّ ذلك إلّا بعد أن يكون أمره إليك ، فهذا الأمر معنى متصوّر متوسّط بينك وبين المال يربطه بك ، كأنّك تتصرف فيه بواسطته ، وإذا كان العالم مخلوقا لله بجميع ما فيه لا يشاركه في ذلك غيره اصلا ، كان أمره إليه سبحانه وتوسط الأمر بينه وبين العالم ، ولهذا المعنى علّل سبحانه الكلام بقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) ، وللطف هذه العلّة صدّر الكلام بكلمة (أَلا) التنبيهيّة استيقاظا للسامع لينتقل ذهنه إلى مغايرة الخلق والأمر على ما فيه من اللطف ، على أنّ عطف الأمر والخلق بالواو يقضي بمغايرة ما بينهما في الجملة.
فان قلت : العطف لا يقتضي التغاير النوعي ، ولو كان كذلك لاقتضى قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) (٥) ، أن لا يكون جبرئيل من
__________________
(٥). البقرة (٢) : ٩٨.