قوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ)
لأنّ عادته سبحانه جرت أن لا يمهل قوما بعد إذ سألوا آية فأجيبوا بها ؛ لأنّ الحق إذا ظهر ولم يبق عليه لبس لم ينظر الجاحدون ، لعدم بقاء حاجة إلى وجودهم ، كما قال سبحانه : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (١).
أو لأنّ عالم الملائكة أرفع أفقا وأعلى وجودا من دار ، يعيش فيها الإنسان الدنيوي وهي الدنيا ، فظهور الملائكة لهم ظهورا تامّا لا يكون إلّا بتبديل دارهم بدارهم ، وهو الموت والعذاب ، كما هو ظاهر قوله سبحانه : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢) ، وحينئذ لم يبق مجال للدعوة النبوية لظهور الحقائق وارتفاع اللبس وانسداد باب الإختيار ، ولذلك عقّبه بقوله سبحانه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).
وأنت إذا تأمّلت وجدت الوجهين جميعا راجعين إلى مرجع واحد.
هذا وربّما يستفاد من قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) ، عدم التباين النوعي بين الملك والإنسان لظهوره في إمكان صيرورة الملك إنسانا كما يظهر من قوله أيضا : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (٣).
ولبيانه محلّ آخر سيجيء إن شاء الله تعالى.
__________________
(١). الحجر (١٥) : ٨.
(٢). الفرقان (٢٥) : ٢١ ـ ٢٢.
(٣). الزخرف (٤٣) : ٦٠.