هي إدراكه ، فما وقع في ظرف الإدراك فهو الذي تتعلق به المعرفة لا غيره ، فلو فرضنا أنّا عرفنا شيئا بشيء آخر هو واسطة في معرفته ، فالذي تعلّق به إدراكنا هو الوسط دون ذي الوسط ، فلو كان المعرفة بالوسط مع ذلك معرفة بذي الوسط ، كان اللازم منه أن يكون الوسط بوجه هو ذا الوسط حتى يكون العلم بأحدهما علما بالآخر ، فهو هو بوجه وليس هو بوجه ، فيكون واسطة رابطة بين الشيئين ، وإذ كان لا واسطة بين الخالق والمخلوق ليكون رابطة بينهما ، فلا يمكن معرفته سبحانه بشيء غير نفسه فلو عرف بشيء كان هو نفسه ، ولو لم يعرف بنفسه لم يعرف بشيء ، فدعوى أنّه معروف بشيء من الأشياء شرك خفي ، لأنّه إثبات واسطة بين الخالق والمخلوق يكون غيرهما كليهما ، لكنه سبحانه معروف ، لأنّ شيئا من الأشياء لا يعرف إلّا به فإنّه هو المظهر لكلّ شيء عند كلّ شيء يعرفه فهو سبحانه واسطة ، فهو معلوم أوّلا معروف إبتداءا ، ثم الشيء المعروف المفروض بعرضه ثانيا.
فقوله ـ عليهالسلام ـ : «بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك» ، كأنّ المراد بالحجاب شيء من الموجودات يكون فاصلا بينه وبين العارف ، وبالصورة الصورة الذهنية المقارنة بالأوصاف المحسوسة كالمقادير والألوان والأضواء ، وبالمثال ما هو من قبيل المعاني غير المحسوسة ، أو المراد بالصور التصورات ، وبالمثال التصديقات.
وبالجملة ، العلوم الفكرية داخلة فيها ، والأخبار في نفي كون العلم الفكري علما بالله سبحانه كثيرة جدّا ، وكون هذه المعرفة شركا لإثباته غير الله سبحانه يشترك معه في الوجود غيره وغير مخلوقه ، ولذلك عقّب ـ عليهالسلام ـ الكلام بقوله : «وإنّما هو واحد موحّد» أي إنّه لا شريك له في ذاته بوجه