مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنّك لا ترى» (١).
أقول : جوابه ـ عليهالسلام ـ كما ترى جدلي ، غير أنّ الكلام الإلهي لا يدفعه بحسب نظر الخصم ، وهو أيضا لا يدفع في نفسه المعنى الذي قدّمناه ، والشاهد على كونه مبنيا على الجدل منه ـ عليهالسلام ـ أنه ورد عن الرضا ـ عليهالسلام ـ عدّة خطب وروايات بطرق مختلفة إثبات التجلّي والرؤية له تعالى بالمعنى الذي قدّمناه وتشريح معناه ، وما كان يمكنه ـ عليهالسلام ـ الجواب البرهاني ببيان حقيقة الأمر فإنّ القوم يؤمئذ كانوا على قولين إثنين لا ثالث لهما عندهم :
أحدهما : قول المعتزلة وهو نفي الرؤية مطلقا واستحالته عليه تعالى مستندا إلى أنّ الرؤية تختصّ بالبصر ، والرؤية البصرية إنّما تتعلّق بالجسمانيات المحدودة بالجهات والأعراض الجسمانية وهي مستحيلة في حقه تعالى وهو باطل ، فإنّه إنّما يقتضي استحالة المشاهدة البصرية ، وأمّا المشاهدة بمعنى إدراك المعلول بتمام ذاته علّته الموجدة ووجدانه إيّاها على ما يقتضيه سعة وجوده ومرتبة هويّته فلا ، وليس كلّ إدارك يجب أن يكون بحاسّة من الحواس الظاهرة المتعلّقة بالجسمانيات ، أو الباطنة المتعلقة بالصور والمعاني المحدودة فإنّا ندرك ذواتنا بحضور ذواتنا لذواتنا من غير استناد ذلك إلى حاسّة من الحواس أو قوة من القوى.
وثانيهما : قول الأشاعرة على ما نسب إليهم وهو إثبات الرؤية البصرية في حقّه تعالى يوم القيامة لا في الدنيا مستندا بعدم الدليل على قصر الرؤية البصرية
__________________
(١). عيون أخبار الرضا ـ عليهالسلام ـ ١ : ٢٠٠ ، الحديث : ١.