على ما يلازم الجسمانيّة والجهة.
وربّما استدلّوا بأن الإبصار يتعلّق بالجوهر والعرض ولا جامع بينهما إلّا الموجود مطلقا ، فكل موجود يجوز أن يكون مبصرا مرئيا بالعين ، والله سبحانه موجود فيجوز عليه أن يكون مرئيا مبصرا. وليت شعري ماذا تصوّروه في معنى إبصار العين حتى جوّزوا إحساس البصر لما ليس في جهة ولا مكان ولا زمان ، ولا هو موصوف بأوصاف الأجسام ، وأغرب منه تخيّلهم تعلق الإبصار بنفس الجسميّة كتعلّقه بالألوان والمقادير وسائر أعراض الجسم ، وأعجب منه أخذهم الموجود المطلق جامعا منحصرا بينهما ، ثم حكمهم بأنّ كلّ موجود يجوز أن تتعلق به الرؤية البصريّة.
فهذه وأمثالها أقاويل لا ينبغي للباحث المحصّل أن يتلف وقته في تزييفها ونقضها ، أو يشتغل بالتأمل في أطرافها أزيد ممّا يعتبر به المعتبر ويستبصر للشر ليجتنب عنه ويتّقي قربه.
وبالجملة ، فمع دوران الأمر بين هذين القولين ، والحقّ بمعزل منهما ما كان يسع له ـ عليهالسلام ـ أن يجيب بما هو الحق عنده على ما روينا عنه ، فالرواية واردة مورد الإقناع والجدل ، وقد وردت في هذا المساق روايات أخرى ، كما وردت في مساق الرواية الأولى.
وفي البصائر : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : إنّ الكروبيّين قوم من شعيتنا من الخلق الأوّل ، جعلهم الله خلف العرش ، لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ، ثم قال : إنّ موسى لمّا سأل ربّه ما سأل ، أمر واحدا من الكروبيّين فتجلّى للجبل فجعله دكّا» (١).
__________________
(١). بصائر الدرجات : ٦٩ ، الحديث : ٢.