أقول : قوله سبحانه : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ).
التجلّي : التكشّف ، وأصل الجلاء هو الظهور والبينونة مقابل الخفاء ، ومنه : الجلاء بمعنى الخروج من الوطن بمعنى ذهاب الوسخ والرين ، وبمعنى الزينة وغير ذلك.
وورود التجلّي بعد قوله : (لَنْ تَرانِي) لا يخفى لطفه ، والدك والدق بمعنى واحد ، وكأن الدك أشدّ.
قوله سبحانه : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)
الخرور : السقوط ، والصعقة الغشية ، النشوة والموت ، وفي القرآن : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (١) أي : مات.
وفي بعض الروايات أنّه ـ عليهالسلام ـ مات في هذه الصعقة ثم ردّ الله عليه روحه» (٢).
أقول : ويمكن استفادته من قوله تعالى : (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، فإنّ موسى ـ عليهالسلام ـ إنّما قال ذلك بعد ما شاهد ما آل إليه أمر الجبل وأخذته الصعقة ، ولم يقله عند ما سمع قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ، مع أنّ كلامه سبحانه أقوى في إفادة اليقين وإيجاد الإيمان والطمأنينة من دلالة رؤية اندكاك الجبل والإبصار به ، والبصر ربّما يغلط ويكذب وكلامه سبحانه صدق لا يحتمل الكذب ولا يبدّل القول لديه ، وهو ـ عليهالسلام ـ أعرف بمقام ربّه ، فليس إلّا أنه ـ عليهالسلام ـ وجد من ربّه أمرا وراء الكلام
__________________
(١). الزمر (٣٩) : ٦٨.
(٢). تفسير العياشي ٣ : ٢٦ ، الحديث : ٧٢ ؛ مع تفاوت.