فصعق ، كما وجد الجبل أمرا فاندكّ من عظمته ، فلم يوجد الصعقة فيه صورة اندكاك الجبل وهو ـ عليهالسلام ـ صاحب المعجزات قد شاهد ما هو أعظم صورة من اندكاكه ، كقضايا الثعبان وإليد البيضاء وفلق البحر وغير ذلك ، ولم يصعق في شيء منها ، بل إنّما أوجد الصعقة فيه ما أوجد الدكّ في الجبل وهو التجلّي فوجد ـ عليهالسلام ـ من التجلّي ما وجده الجبل ، وقد زال الجبل عن مكانه بالإندكاك وصيرورته رميما كالهباء ، فبطل جبليّة الجبل ولم يبق إلّا الهباء المنثور وليس الهباء بجبل وكذلك فعل بموسى ـ عليهالسلام ـ فصعق.
ومن هنا يعلم أن صعقته ـ عليهالسلام ـ كان موتا منه وبطلانا لحياته الدنيا وزوالا عن مكانه على ما قال سبحانه (لَنْ تَرانِي) ، فكانت صعقته موته وافاقته (١) رجوع روحه إليه كما ورد في الروايات.
قوله سبحانه : (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)
الإيتاء هو الإعطاء ، وهو هاهنا النعمة بقرينة الشكر والأمر بأخذ النعمة بعد ايتائها والإنعام بها كناية عن الشكر عليها والتحفظ بها ، فتعقيبه بقوله : (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، كالتصريح بعد الكناية ، وقد مرّ معنى الإصطفاء في سورة البقرة ، ومعنى الشاكرين في أول هذه السورة ، وأنّ الشاكرين هم المخلصون ، فموسى ـ عليهالسلام ـ من المخلصين ، ويصدّقه قوله سبحانه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) (٢).
وفي الكافي : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «أوحى الله إلى موسى أن :
__________________
(١). في الاصل : «إفادته» والأصح ما أثبتناه في المتن.
(٢). مريم (١٩) : ٥١.