قوله سبحانه : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) ـ إلى قوله ـ (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)
فإن قلت : ما معنى هذا الصرف مع اتّصافهم بهذه الأوصاف الأربعة التي توجب كونهم منصرفين بأنفسهم من غير حاجة إلى صرف إلهي ؛ إذ لا معنى لصرف المنصرف.
قلت : كلّ حادثة حدثت لها نسبة ما إلى الله سبحانه ـ على ما مرّ في الكلام على القدر ـ غير أنّ تنزّه ساحة الحق سبحانه عن نسبة الشرّ إليه يوجب القول بأنّ ما يفيضه على عباده من قبيل الشرّ والنقمة ، إنّما هو لاستدعائهم ذلك ، وفعلهم ما يوجب انقطاع النعمة عنهم وسلب التوفيق عنهم ، فيشتدّ ما فيهم من الضلال والغيّ كما قال سبحانه : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (١) ، وقال أيضا : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٢) ، وقال سبحانه (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) (٣).
فتماديهم في الضلال ينحلّ إلى مراتب ودرجات كل لاحقة منها ، إنّما لحقتهم من الله سبحانه نقمة له لاتّصافهم بالسابقة ، وينتهي الجميع إلى ما سبق منهم في الذر على ما سيجيء انشاء الله تعالى ، ولذلك علّل الصرف بقوله في ذيل الآية : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ).
قوله سبحانه : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ)
في الآية دلالة على أن حبط العمل نفسه جزاء ، وهو خلوّ اليد عن النتيجة ، فإنّ
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٦.
(٢). الصف (٥١) : ٥.
(٣). الروم (٣٠) : ١٠.