فما وجه قوله : (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ)؟
قلت : إنّما قالوه عنادا واستكبارا ، وإلّا فالآية في معرفة الله كثيرة مفيدة فحصرها في الرؤية والتمادي واللجاج في طلبها كان عنادا واستكبارا ولذلك أهلكوا ، وإلّا فمجرد الطلب ولو جهلا ، لم يكن موجبا للإهلاك ، كما قالوا : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (١) ، إلى غير ذلك من اقتراحاتهم وتهكّماتهم ، ولذلك قال : (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) ، ولم يقل بما قاله الجاهلون منّا ، فبدّل القول بالفعل والجهل بالسفاهة.
قوله : (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا)
قدّم في دعائه المغفرة على الرحمة ، وكذا في دعائه لنفسه وأخيه حين قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) (٢) ، بخلاف ما في دعاء قومه حين قالوا : (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣) ، وسيأتي الوجه فيه.
قوله سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)
صفة الرحمة التي فينا رقّة قلب الراحم للمرحوم من حيث إنه المستحق أن يحسن إليه أو أن لا يساء إليه ، وهذا المعنى وإن كان وصفا جسمانيا منبعثا عن انفعال بدني إلّا أنّه متّحد بوصف إدراكي من أجله نسمّيها رحمة ، فإنّ الذي يريد أن يبطش إنسانا ذا ذنب ويقهره إنّما يتصوّره متلبّسا بالذنب ، فهو ما دام يتصوّره
__________________
(١). الأعراف (٧) : ١٣٨.
(٢). الأعراف (٧) : ١٥١.
(٣). الأعراف (٧) : ١٤٩.