قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (١) ، ومثل قوله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٢) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) (٤) ، إلى غير ذلك ، ولو لا الإشتراك المعنوي والإرتباط بحسب المعنى لم يستقم الكلام في هذه الآيات البتّة ، نعم ، المصداق مختلف على ما سيجيء توضيحه.
وبذلك كلّه يدفع قول من يقول : إنّا لا ندرك معاني أسمائه تعالى وصفاته لعدم إحاطتنا به سبحانه ، قال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٥) ، وقول من يقول : إنّ معاني الصفات ترجع إلى نفي مقابلها ، فمعنى الحق فيه تعالى ليس بباطل ، ومعنى العلم نفي الجهل ، ومعنى القدرة نفي العجز ، ومعنى الحياة سلب الموت ، وهكذا ، وهذا كلّه توهّم منهم أوقعهم فيه الخلط بين المفهوم والمصداق ، وهؤلاء يثبتون بعين احتجاجاتهم خلاف ما يحتجّون عليه.
ومن هنا يظهر أيضا أنّ هذه الصفات أعني مصاديقها إنّما هي موجودة بالذات وبالحقيقة فيه تعالى لا يشاركه فيها غيره من خلقه إلّا بالتبع أو بالمجاز ، فالحياة في غيره تعالى ليست حياة بحسب الذات والحقيقة ، بل غيره حيّ بإحيائه لا بنفسه ، والعالم والقادر والمالك ، وهكذا صاحب كلّ صفة كمال منّا إنّما يعلم بتعليمه ويقدر بإقداره ويملك بتمليكه ، وهكذا يتصف بكلّ صفة من
__________________
(١). المائدة (٥) : ١١٦.
(٢). الملك (٦٧) : ١٤.
(٣). فصلت (٤١) : ٣٩.
(٤). يونس (١٠) : ٣٠.
(٥). طه (٢٠) : ١١٠.