أتبعه بنقمة ويذكّره الإستغفار ، وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا فأتبعه (١) بنعمة لينسيه الإستغفار ويتمادى بها ، وهو قول الله عزوجل : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) بالنعم عند المعاصي» (٢).
أقول : والإستدراج مثل الكيد نوع من الإضلال المنسوب إليه تعالى ، وقد تقدم الكلام فيه في سورة البقرة وغيرها.
قوله سبحانه : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)
الإملاء : هو الإمهال ، والكيد : إيصال الشرّ في صورة الخير.
فإن قلت : ما وجه الإلتفات من التكلم في قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) إلى ما في قوله : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)؟
قلت : الإملاء إمهالهم حتى يتمتعوا إلى أجل مسمّى فيؤخذوا عنده ، فيكون الكلام في معنى قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) (٣) ، وهذه الكلمة هي قوله سبحانه حين إحباط آدم إلى الدنيا : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٤) ، وهو القضاء الإلهي ، والقضاء مختص به تعالى لا يشاركه فيه غيره ، وهذا بخلاف الإستدراج الذي هو إيصال النعمة بعد النعمة وتجديدها ، فإنّها نعم مفاضة بالوسائط من الملائكة والأمر.
فلهذا أتى في الإستدراج بصيغة المتكلم مع الغير ، وبدّله في الإملاء وما فيه
__________________
(١). في نسختي : «أتبعه» ، «منه ـ رحمهالله ـ».
(٢). الكافي ٢ : ٢٤٥ ، الحديث : ١.
(٣). الشورى (٤٢) : ١٤.
(٤). البقرة (٢) : ٣٦.