لكن مزايلة الأسباب تبيّن أنّ هذا اليوم يوم بروز الحقائق وانكشاف الأغطية ، كما قال : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١).
ومن المعلوم أنّ بطلان السببيّة وأصل الملك والقدرة في الأشياء يوجب بطلان استقلالها ، إذ ما من شيء ممّا نشاهده من أقواها ذاتا إلى أضعفها وجودا إلّا وهو يملك نفسه من نفسه ، ويرتبط نوع ارتباط مع غيره ، فإذا بطل منه ذلك عادت الأشياء فاقدة الإستقلال وعادمة الحكم ، فلا يبقى لآمل أمل في شيء ، ولا لشيء نفع في شيء ولا ضرّ في شيء ، فلا يبقى أمر إلّا لله.
واتّضح حينئذ معنى ضلال آلهتهم وشركائهم وإنكارهم لعبادتهم وكذبهم على أنفسهم حيث كانوا في الدنيا يشهدون بألوهيتها وربوبيتها أو شراكتها لله ، ثم يقولون هناك : (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٢) ، ويستفاد هذا الذي ذكرنا من الآيات الناطقة بإنكار شركائهم لعبادتهم كقوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)) (٣) حيث تثبت لهم عبادة وتنفيها عن أنفسها ، ولا ينسب إليها كذب وافتراء ، ونظيرها قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ* قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ* وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ
__________________
(١). ق (٥٠) : ٢٢.
(٢). فصلت (٤١) : ٤٧.
(٣). يونس (١٠) : ٢٨ ـ ٣٠.