كذلك ، وبه يشهد قوله ثانيا : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، حيث إنّ ظاهره أنّ الناس لو علموا أنّ الساعة لا يعلم بها غير الله لم يلحّوا في السؤال عن وقتها ولكن أكثرهم لا يعلمون.
فالساعة وإن كان العلم بها مختصا به تعالى لكنّ العلم باختصاص علمه به غير مختص ، بل يمكن أن يوجد عند القليل من الناس.
قوله سبحانه : (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها)
لمّا أجاب سبحانه بقوله : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) ، لم يقنعهم ذلك جوابا وكأنّهم تخيّلوا أنّه وإن كان العلم بها عند الله لكن يمكن أن يعلّمه رسوله لمكان القرب ، ويكون حال العلم بها حال العلم بالغيب المختصّ به تعالى وقد قال سبحانه : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) ، ولذلك عادوا للسؤال بعد السؤال فكرّر ثانيا وقيل : (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) ، والحفيّ : العالم الذى يتعلم الشيء باستقصاء.
وقوله : (عَنْها) ، كأنّه متعلق بقوله : (يَسْئَلُونَكَ) ، والمعنى يسألونك عنها كأنك عالم بها مع أنّك أجبتهم بالأياس والحرمان ، وبيّنت لهم السبب في ذلك بأنّها ممّا لا يطيق علمه السموات والأرض ثم أمر بالجواب ثانيا فقيل : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، لوجه اختصاصه بالله تعالى ، يعني أن الجواب هو الجواب الأوّل وليس أمر العلم بالساعة مما يختلف بالقرب والبعد من الله حتّى يمكن للمقربين تعلّمه ، ولذلك بدّل اسم الربّ باسم الجلالة
__________________
(١). الجنّ (٧٢) : ٢٦ ـ ٢٧.