قوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)
القصّة قابلة الإنطباق لآدم وحواء وعلى هذا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) ، خطاب للبشر من نفس واحدة وهو (آدم) ، (وَجَعَلَ مِنْها) ، أي من جنسها زوجها (حواء) (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ، ويتمّ أمر التقدير بما قدّر الله من الذريّة ، (فَلَمَّا تَغَشَّاها) ، أي جامعها ، (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) بالنطفة ، (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) ، بالحمل لنموّ الجنين في بطنها (دَعَوَا) معا (اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) ، سليما قابلا للبقاء بريئا عن النقص والعاهة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، لا نعتمد على سبب دونك ، ولا نركن إلى شيء سواك ، ولا نغفل من جهته عنك.
(فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) ، أوجب الاهتمام في شأنه والعناية في تشبّثهما بالأسباب العاديّة في حفظه وتربيته أن غفلا عن الله بعض الغفلة ، فاشتغل قلباهما بأشياء غير الله ، وجعلا هذه الامور شركاء لله فيما آتيهما من الولد الصالح (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، آدم وحواء وسائر بني آدم.
هذا ويشهد بما ذكرناه من المعنى ما مرّ في أوائل السورة : أنّ الشاكرين هم المخلصون الذين لا سبيل لإبليس عليهم.
وفي تفسيرى العيّاشي والقمّي : عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : «إنّما كان شركهما شرك طاعة لا شرك عبادة» (١).
أقول : قد تبيّن معناها بما مرّ من البيان ، وأمّا ما روته العامّة من قصّة شركهما فممّا لا يليق بساحة الأنبياء ، وقد نصّ القرآن على هداية آدم ولا يجتمع الشرك مع الهداية ، قال تعالى : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٢).
__________________
(١). تفسير العياشي ٢ : ٤٣ ، الحديث : ١٢٥ ؛ تفسير القمّي ١ : ٢٥٣.
(٢). طه (٢٠) : ١٢٢.