وقوله : (أَهْواءَكُمْ) ، جيىء بصيغة الجمع مع أنّه يشار به إلى عبادتهم ، وهو معنى واحد ، لما كان في عبادتهم من الإختلاف بحسب اختلاف الآلهة والأهواء التي أوجبت اتّخاذ كلّ طائفة صنما خاصّا.
قوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)
هذه الجملة وقوله : (يَقُصُّ الْحَقَ) ، وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) ، كالعلل لمجموع ما يتحصّل من الكلام أنّ الآية ليست بيد النبي ، بل بيد الله ، ولو شاء لأنزلها ، لكن لا ينزل إلّا على المشركين لا لهم ، وقوله سبحانه : (يَقُصُّ الْحَقَ) ، من قصّ الأثر إذا تبعه ، أي لا يفارق حكمة الحق وهو خير الفاصلين.
قوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ)
قد تكرر في كلامه سبحانه ذكر الغيب ، وربما قوبل بالشهادة ، والشهادة هي كون الشيء بوصف الحضور والوجدان ، وإذا نسب إلى الشاهد كان بمعنى وجدانه المشهود من غير حجاب حائل ، والغيب ارتفاع هذا الوصف وفقدان الحضور ، فهو معنى عدمي ، وعلى هذا كان كلّ شيء إذا قيس إلى نفسه لم يقبل إلّا معنى الشهادة لعدم غيبوبته عن نفسه ما خلا الله سبحانه ؛ فإنّه أرفع وأعلى من الوصف وأكبر من أن يوصف فذاته ليس بغيب ولا شهادة ، إلّا من جهة أسمائه وأوصافه المقدّسة ، وإذا نسب الشيء إلى غيره أمكن أن يختلف اتّصافه بالوصفين ، فيكون شهادة وغيبا باعتبارين كما أنّ ما في داخل الحائط شهادة لمن كان في داخله ، غيب عمّن هو خارجه ، وما في قلب الإنسان شهادة له ، غيب بالنسبة إلى غيره ، وما تحت إحدى الحواس مشهود له غائب عن غيره.